أثارت إعلانات دعائية مدفوعة الثمن نشرتها وسائل الإعلام اليمنية في هذه الأيام عن إحياء المطربة السورية أصالة لحفلة غنائية هي الأولى من نوعها لمطرب عربي في مدينة عدن يوم الخميس موجة من الجدل الكبير بين اعتراضات متشددين إسلاميين ضد إقامة الحفل ومؤيدين له من قبل تيار إسلامي معتدل.
فقد أطلق عضو البرلمان اليمني فؤاد دحابة الذي ينتمي لحزب الإصلاح المعارض ذي التوجه الإسلامي تصريحات نارية متشددة تحرم مهرجان عدن الفني الأول المزمع إقامته يوم الخميس بعدن وتحييه الفنانة السورية أصالة وفرقتها الموسيقية.
وقال في رسالة وزعها عبر هاتفه المحمول إلى مجموعة كبيرة من الناس " أن إقامة هذا الحفل الفني بمثابة دعوة للمجون... لذلك علينا أن نقوم بدور بارز لإيقاف الحفل الفني الذي تحييه الفنانة أصالة في مدينة عدن لأنه مخالفة شرعية ودستورية".
لكن تلك الدعوة قابلها معارضون ومثقفون بأنها أشبه "برسالة تهديد مبكرة" من المتشددين الإسلاميين في اليمن. كما اعتبرتها صحف محلية مؤشرا "لرغبة الجناح المتشدد" في حزب الإصلاح لتطبيق شريعة إمارة طالبان التي تحرم الغناء والموسيقى والفنون.
وشنت صحيفة "14 أكتوبر" اليومية شبه الرسمية الصادرة في عدن يوم الأحد هجوما شديدا على من يعترضون على مجيء المطربة السورية لإحياء حفلتها بعدن.
وجاء في مقال افتتاحي تحت عنوان "(لا تصدقوهم)..يا أبناء وبنات مدينة عدن..لا تصدقوا أعداء مدينتكم الذين يريدون تغيير معالمها وعزلها عن دول الجوار والعالم مثلما فعلت"طالبان" بأفغانستان".
وأضافت "لا تصدقوا أعداء الحياة الذين يحرضون على تكفير الفنون والموسيقى والسينما والمسرح والرياضة النسوية ويعتبرون كل من يمارسها ويتفاعل معها فاسقا وماجنا وإثما".
وانتقد محتجون دعوة النائب دحابة وهو رجل دين وخطيب جامع وبرلماني عن حزب الإصلاح في البرلمان لا يتجاوز عمره الثلاثين عاماً. وقالوا أن جميع المدن والعواصم العربية تقيم مهرجانات فنية دورية وموسمية وفي مقدمتها دول الجوار حيث تقام فصلياً وسنوياً مهرجانات فنية للأغنية والموسيقى في مسقط وصلالة وجدة والدوحة والمنامة والكويت ودبي ودمشق والقاهرة وعمان.
وأضافوا "ليس كثيراً على مدينة عدن التي كانت رائدة في رعاية ونشر الفن والموسيقى منذ الأربعينات إقامة أول مهرجان فني يحمل اسمها كخطوة على طريق إعادة الاعتبار لها واستعادة مكانتها الريادية كعاصمة اقتصادية وتجارية لليمن".
وتناولت الصحيفة إلى جانب المقال المنشور على صدر صفحتها الأولى ردود الفعل المختلفة إزاء هذا الحدث حيث انتقدت الناشطة اليمنية توكل كرمان رئيسة منظمة صحفيات بلا قيود التصريحات قائلة "أمام هذا التوجه الجديد للإسلاميين الذين يحاولون تقديم أنفسهم للعالم كمعتدلين يظهر تفكير التكفيريين الجدد في اليمن نقيضا حادا للخطاب الإعلامي المطروح في وسائل إعلامهم ويضع في حال السكوت عنه مستقبل البلد برمته تحت رحمة عصا شيخ متزمت أو لحية خطيب مراهق".
وحطم مجهولون خلال اليومين الماضيين اللوحات الدعائية والملصقات الإعلانية للحفل في بعض المحافظات اليمنية. وقام أئمة مساجد في العاصمة صنعاء أثناء خطبهم يوم الجمعة بالتحريض ضد الفن والموسيقى والرياضة النسوية وغيرها من الأعمال الإبداعية التي يدعون تحريمها.
وطالب منظمو الحفل من السلطات المحلية بضبط من يقومون بالاعتداء على ممتلكات الآخرين وتحطيمها مؤكدين أن تلك الأعمال تعد استهدافا لمدينة عدن وضمن برنامج منظم للإساءة لسمعة اليمن واليمنيين.
وقال المنشد الديني اليمني علي المقري ردا على الحملة التي تبناها البرلماني الإصلاحي ومؤيدوه "أن تجريم المهرجان يشير للحال الذي بلغه المسلمون من الانحطاط الفكري الذي أوصلهم إلى ما هم عليه ومن ذلك تكفير بعض الشيوخ للموسيقى والغناء والرسم".
وأضاف أن "العرب والمسلمين لم يطوروا فنون الأمويين والعباسيين.. ولم يواصلوا زخارف وتشكيلات (سمرقند واصفهان واسطنبول وبغداد وصنعاء ودمشق).. وأنهم (المسلمون العرب) يقومون حالياً ببناء مساجد عمادها الاسمنت وروحها الاسمنت".
وقال "حين تدخل إلى أحد المساجد التي بنيت في أزمنة الانحطاط هذه لن تجد الا خطيبا مكشرا لا يمكن له أن يبتسم أو يخاطب الحضور بمحبة وسط جدران من الاسمنت".
وأشار المقري إلى أنهم "حينما يقولون أن الغناء حرام والموسيقى والرسم حرام فأنهم ينطلقون من هذه الروح الإسمنتية التي لا تعرف الجمال ولم تتبع صوت الله وهو يتهجد بصوت صاف ينبعث من ثنايا الطيبين وهم يرددون "يا الله .. يا الله" مع كل خفقة روح منتشية لطرب أو نغم أو لون بهيج".
ورحب المنشد المقري بالفنانة أصالة وقال "أهلا بها في قلوبنا قبل منازلنا ووطننا.. كما ألف أهلا بفيروز وماجدة الرومي ومارسيل خليفة ونصير شمة ونانسي عجرم وكل صوت جميل أهلا بهن وبهم ليعيدوا لنا طمأنة الصفاء ونشوة البهجة في زمن ليس فيه ما يبهج".
أما مجيب الحميدي وهو عضو في الدائرة الإعلامية لحزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض والصحفي أيضا في صحيفة "الصحوة" الناطقة باسم الحزب فقد انتقد بدوره الهجمة ضد الحفل الفني عندما ذكر بكتابه (الغناء والمعازف عند الشوكاني) والذي كان أصدره بعد منع صحيفته من نشر أخبار مهرجان صنعاء عاصمة للثقافة العربية عام 2 ومع ذلك توقع المنظمون أن يشهد المهرجان الفني إقبالا مميزا نتيجة لما تتمتع به الفنانة أصالة من شعبية في أوساط اليمنيين والشعوب العربية.
وعرفت مدينة عدن التي حكمها البريطانيون 140 عاما منذ ثلاثينيات القرن الماضي بتسجيل وطباعة الاسطوانات الحجرية والسمعية إضافة إلى احتضان مهرجانات فنية وحفلات غنائية أحياها مطربون عرب مشهورون أمثال فريد الأطرش وطلال مداح ونجاح سلام ومحرم فؤاد وفهد بلان ومحمود شكوكو والمطرب الشعبي شفيق جلال إلى جانب المطربين المحليين.
وعلى صعيد آخر نشر خبر في أحد المنتديات على الإنترنت يدعي فيه كاتبه بأن أصالة تلقت عبر أحد مواقعها على الإنترنت تهديدات باغتيالها على المسرح في حال أقامت الحفل المذكور، وأدعى كاتب الخبر بأن هؤلاء الأشخاص تركوا أسمائهم بالكامل، وأرقام تلفوناتهم تعبيراً عن جدية نواياهم، بحسب ما جاء في الخبر الذي نشره في أحد المنتديات الفنية المعروفة.. !!
وأضاف: بأن طارق العريان أكد بأن حفل أصالة في اليمن سيتم، يوم الخميس 142، و بأن لا نية هناك لإلغائه حتى الآن، وأضاف العريان: بأنهم كلموا المسؤولين عن الحفل وأعلموهم بالتهديدات التي وصلتهم، ووعده القائمون على الحفل باتخاذ الإجراءات اللازمة.
ويبقى معجبوا أصالة قلقون على سلامتها، وهناك جدل كبير بينهم حول جدوى إقامة الحفل في ظل هذه الظروف، البعض يرى بأن هذه التهديدات ليست جدية، وهدفها إثارة الفزع في قلب الجمهور لإفشال الحفل، والبعض الآخر يرى أن إقامة الحفل في ظل هذه الإحتمالية مخاطرة، وإلغاءه أسلم وأفضل.
منقول