[center]** التسمية
عرفت فلسطين منذ القرن الثامن عشر ق.م بأرض كنعان، وبـ "فلستيا" التي وردت في السجلات الآشورية كمجموعة من الدول الفلسطينية التي كان أشهرها الدولة الساحلية حول مدينة أسدود العاصمة، وذكر اسم "أرض فلسطين" علماً أن المقصود من هذا المصطلح الساحل الفلسطيني.. واصبح اسم فلسطين في العهد الروماني ينطبق على الأرض المقدسة، وغدا مصطلحاً رسمياً منذ عهد "هدريان" وانتشر استعمال هذا الاسم في الكنيسة المسيحية على نطاق واسع..
أما في العهد الإسلامي فقد كانت فلسطين جزءاً من بلاد الشام، حيث كانت لها منزلة خاصة في نفوس العرب المسلمين حيث ورد في القرآن الكريم "الأرض التي باركنا فيه للعالمين" صدق الله العظيم..
** من جغرافية فلسطين التاريخية:
كان لموقع فلسطين المتوسط ما بين القارات الثلاث: آسيا، وأفريقيا، و أوروبا، دور كبير في كتابة تاريخها، خاصة وأنها تعتبر المدخل الرئيسي لهذه القارات، كما أنها حلقة الوصل ما بينها بشكل عام، وما بين مصر القديمة والمناطق الآسيوية الأخرى بشكل خاص..
يمكن تقسيم فلسطين طولياً حسب الآتي: الساحل والسهل الساحلي الفلسطيني، المقصود به سهل عكا، سهل مرج ابن عامر،وسهل يافا، والساحل الفلسطيني الجنوبي ثم المنطقة السفلي الواقعة بين الجزء الجنوبي للسهل الساحلي ومنطقة جبال القدس والخليل، وسلسلة الجبال الداخلية المقصود بها امتداد سلسلة جبال لبنان التي تنتهى بجبال الخليل، منها جبال الجليل شديدة الارتفاع ومناخها البارد، وجبال نابلس، وجبال القدس، وجبال الخليل، ثم منطقة بئر السبع والنقب تبدأ من وادي الخليل شمالاً حتى وادي السبع جنوباً الذي يتجه غرباً حتى البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم تتجه غرباً إلى سيناء وباتجاه الجنوب والجنوب الشرقي إلى الجزيرة العربية مروراً بالعقبة. ثم منطقة وادي الأردن الواقعة بين جبل الشيخ في الشمال والبحر الميت في الجنوب وتشمل منطقة الحولة، وبحيرة طبريا، والبحر الميت، ووداي عربة، والتي تعتمد جميعها على مياه الأمطار بشكل رئيسي والينابيع والأنهار (الأردن والمقطع وإبراهيم والعوجا وروبين والداليه)..
** فلسطين في العصر الحجري القديم:
تبدأ مرحلة العصر الحجري منذ أن بدأ الإنسان الأول يصنع أدواته من الحجارة، وتنتهى بمعرفة الإنسان للكتابة في الألف الرابع قبل الميلاد، وقد دلت المخلفات الأثرية على أن الإنسان قد عاش في منطقة غربي وشرقي نهر الأردن، وقد عثر على معظم المخلفات الأثرية التي تعود لهذا العصر في مواقع موزعة على منطقة واسعة من بلاد الشام، خاصة في منطقة حفرة الانهدام..
ويعتبر مركز العبيدية في الجزء الشمالي لغور الأردن في فلسطين من أهم المواقع الأثرية وأشملها في جنوب بحيرة طبريا، وقد تمتعت منطقة فلسطين و الأردن بأفضل الأجواء المناخية وبطبيعة خضراء، ومجموعات حيوانية مختلفة، حيث مثلت هذه المرحلة بداية للتجمعات البشرية التي أصبحت تشكل أنماطاً معيشية متطورة، وتم تصنيف المواقع الفلسطينية المنسوبة إلى المرحلة الانتقالية بين الإنسان الجامع للقوت، والإنسان المنتج له تبعاً للأدوات التي تم اكتشافها، وخاصة الميل إلى الاستقرار الدائم في قرى ثابتة بين الإنسان الجامع للقوت والإنسان المنتج في بلاد الشام، حيث يمكن تقسيم مرحلة العصر الحجري الحديث إلى مرحلة البكر ومرحلة المتأخر، وفي هذه المرحلة يبدو أن فلسطين كغيرها من مناطق بلاد البحر المتوسط قد تعرضت لتغيرات مناخية، فقد بنى الإنسان لنفسه بيتاً في هذه الفترة، ففي أريحا عثر على بيوت مستطيلة الشكل، مبنية بطوب ترابي يختلف في شكله على الذي استعمل في الفترات السابقة، وفضلاً عن أريحا فقد تم اكتشاف العديد من المواقع، التي تعود إلى هذه الفترة السابقة، في فلسطين منها: تل المتسلم، وبيسان، والشيخ على وبلاطة، وتل الفارعة وغيرها الكثير.. وقد دخل تصنيع النحاس في حياة السكان في أواخر هذا العصر في مواقع عدة حول الأودية والأنهار ومصادر المياه، وفي المناطق الخصبة، وكانت أول هذه المواقع موقع تليلات الغسول على الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الميت، وهناك ثلاثة مواقع هامة تقع بالقرب من بئر السبع وهي خربة البيطار، وبئر الصفدي، وتل أبومطر وهي متشابهة في إطار حضاري واحد، تعتمد على زراعة القمح والشعير وحياة الرعى والاستغلال الجزئي للنحاس والتجارة مع المناطق المجاورة، وتمثل المرحلة السكنية بمبان تحت الأرض تتضمن غرفاً مستطيلة الشكل متوسطة الطول، تطورت إلى غرف دائرية أو مخروطية بنيت من الطوب المجفف فوق أساس من الحجارة، بسقوف من لوحات خشبية متعارضة ومغطاة بطبقة طينية.. وأهم ما يميز هذه المرحلة أيضاً وجود الأدوات الفخارية، ووجود عدد من التماثيل (الدمي) الآدمية من العاج تمثل الرجال والنساء، امتدت هذه الحضارة لتمثل الجزء الأكبر من شمال النقب، ابتداء من مواقع وادي غزة في الغرب وتل عرار في الشرق..
** ظهور دويلات المدن:
شهدت منطقة الشرق القديم ومنها فلسطين، في العصر البرنزي مع نهاية الآلف الرابع قبل الميلاد، تغيراً حاسماً في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والمعمارية، وكان أكثر ما ميز هذه المرحلة في فلسطين، ظهور اعداد كبيرة من المدائن المقطوعة في الصخر، تنسب إلى جماعات وضعت نهاية لحضارة العصر الحجري النحاسي، أو حضارة غسول/ بئر السبع حيث تظهر هذه المدافن الصخرية في فلسطين وتنتشر على نطاق واسع وقد وجد مع الهياكل العظيمة عدد كبير من المرفقات الجنائزية كالأواني الفخارية والبازلتيه وبعض الأدوات البرونزية، مما يظهر بأن سكان فلسطين اخذوا في تزايد مستمر، وأصبحوا يطورون في مواقعهم السكنية تدريجياً حتى أصبحت مدناً محصنة ذات طابع مستقل، تميزت باستعمال عجنة الفخار على نطاق واسع، وذلك بخلط النحاس بنسبة معينة من القصدير، انتجوا منها أدوات برونزية متعددة الأشكال والوظائف، وغلب عليها الصحن العميق بأحجام مختلفة، وكانت مادة البناء الرئيسية في مدنهم وقراهم الفلسطينية من الطوب المجفف على أرضية من الحجارة الملساء، مؤلفة من غرفة واحدة، وقد اضيفت غرف أخرى تبعاً للحاجة، وقد كشفت الحفريات على وجود معابد في تل الفارعة، وفي اريحا، والتل (عي) الذي عثر فيها على معبد أعيد بناؤه ثلاث مرات، وعلى بعض أواني (التقدمات) جراراً كبيرة مغروسة في الأرض، وكذلك في تل المتسلم، وتميزت مدافنهم بالمدافن المقطوعة من الصخر، والمدافن القبية، ومدافن الغرف المستطيلة، والمدافن العمودية المقطوعة من الصخر.
إن تطور حياة المدن والاستقرار زاد من حركة العمران التي تدل على نمو السكان، وارتفاع مستوى المعيشة، وتقدم ملحوظ في نظام الزراعة مثل الحبوب والزيتون و اللوزيات، وقد عثر أيضاً على أدوات للزينة مصنعة محلياً أو مستوردة مثل الخرز والعظام والأحجار الكريمة وبعض قطع الذهب، في أهم المدن اريحا (تل عين السلطان) وعرار في منطقة النقب، والتل (عي) شرق قرية بتين في محافظة رام الله والبيرة، وخربة الكرك في المنطقة الجنوبية، والعفولة بالقرب من مدينة العفولة، ويازور على الطريق بين يافا والقدس، وتل الشيخ العرينى على الساحل الفلسطيني، وتل الفارعة الشمالي، وباب الزراع شرق البحر الميت، وقد امتدت هذه المرحلة بتطور ملموس في المدن حتى منتصف القرن السادس عشر حتى أواخر القرن الثالث عشر ق.م، حيث تميزت هذه الفترة بالسيطرة المصرية شبه التامة على بلاد الشام بالقضاء على آخر ملوك الهكسوس، وباختصار فإن حالة من الاضطراب قد سيطرت على فلسطين من مواقع الجنوب والوسط.
وفي التاريخ الاجتماعي والاقتصادي في العصر البرونزي الأخير، نستنتج من انتشار المدن والكهوف المحصنة ازدهار الحياة الاقتصادية في فلسطين خلال الألف الثاني قبل الميلاد، حيث وجدت بعض مجموعات من الحرفيين وفئات التجار والفلاحين، وصناعة الأسلحة المعدنية، ولاشك بأن العائلة كانت تشكل أساساً للعلاقات الاجتماعية، وكان لها التأثير المباشر على الحياة السياسية إذ كان الحاكم يورث ابنه الحكم من بعده، وكان النصيب الأكبر من الإرث للأولاد من الذكور، والابن الأكبر مسؤول عن العائلة، وينسب إلى هذا العصر أقدم تاريخ للقبائل العبرية، تبعاً لتفسيرات علماء اللاهوت لسفري العدد ويشوع في التوراة مما جعل غالبية رجال اللاهوت المهتمين بالعهد القديم، تحاول تفسير أسفار التوراة على أنها حقيقة مسلم به، حيث اخذوا ينسبون غالبية المادة الحضارية لتاريخ العبرانيين لخدمة أطماعهم السياسية.