* كان لنكبة 1948 تأثيرا عميقا على الفلسطينيين وخاصة اللاجئين الذين اقتلعوا من جذورهم وشتتوا ومنعوا من العودة لوطنهم، ورغم الضائقة الشديدة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي أحاطت بالفلسطينيين إلا أن ذلك ــ ومع ضغوطات الحكومات العربية آنذاك عليهم ــ لم يمنعهم من محاولة تلمس طريق الخلاص من واقعهم الفاسد والانطلاق للعمل الجاد والهادف لبناء الشخصية الفلسطينية والسعي لاستعادة وطنهم.
* انضم العديد من الفلسطينيين وخاصة أولئك الذين اتجهوا للنهل من منابع العلم والثقافة انضموا للأحزاب العربية التي كانت منتشرة آنذاك وكلها تنادي بالثأر والنار والبارود والحديد وتحرير فلسطين من مثل حزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب، وحركة الإخوان المسلمين، كما انضموا للأحزاب الشيوعية المختلفة إضافة إلى أنهم انضموا أو انشأوا عدد من المنظمات الصغيرة والتي تدعو كلها للعودة والتحرير والوحدة العربية، دون الاتجاه الجدي للعمل الثوري والعسكري.
* إلا أن الطليعة الثورية رأت الخلاص في عمل ثوري يرفض قيود الدول العربية، ويدعو لاستقلال الإرادة والقرار والالتفاف نحو هدف التحرير بعيدا عن المناظرات الكلامية التي ملأت الساحة آنذاك فكان أن تجمعت هذه القطرات في بحر حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح) التي تأسست أواخر 1957 وكانت أولى عملياتها في الفاتح من عام 1965، لتحدث تغييرا في الفكر الوطني المقاوم في المنطقة حتى اليوم. ويعد شعار تحرير فلسطين والثورة الشعبية، وإقامة الدولة الديمقراطية على التراب الفلسطيني بحيث يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود من أهم شعارات حركة (فتح).
* في العام 1968 تصدت حركة (فتح) والجيش الأردني للقوات الإسرائيلية التي حاولت دخول بلـــــدة ( الكرامة) الأردنية فردتها على أعقابها خاسرة فكانت الانطلاقة الثانية لحركة (فتح) وتحت قيادة السيد الرئيس ياسر عرفات والذي ظهر على العلن منذ ذلك الوقت كقائد لحركة فتح وللثورة الفلسطينية المعاصرة،وكرئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي ضمت كافة تنظيمات المقاومة أو أغلبها منذاك.
* ومع ظهور العديد من المنظمات الفلسطينية والتي كان من أبرزها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، وجبهة النضال خاضت المنظمات عامة إلى جانب العمل السياسي والجماهيري والعسكري المحدود، صراعات فكرية وفلسفية حول فكر التحرير، وأولويات المرحلة، وسياسيا حول أفضل السبل لتحقيق الهدف، من الأردن فلبنان وسوريا ثم تونس.
* لقد كان لتراكمات النضال الفلسطيني العسكري والحرب الشعبية طويلة الأمد التي اعتمدت ضمن وسائل أخرى الكم الهائل من العمليات البطولية العسكرية إضافة للنضال السياسي والجماهيري والنقابي والخارجي بدء من الانطلاقة عبر الحدود الأردنية الفلسطينية وانتقالا للمقاومة من لبنان والصمود الأسطوري في بيروت 1982، كان لهذه التراكمات الأساس في تكريس الإرادة والكيانية الفلسطينية، وفي تثبيت الحق الفلسطيني بدولة مستقلة في كافة المحافل العربية والدولية، كما كرست القرار الفلسطيني المستقل، وكما يقول اللواء ركن محمود شيت خطاب ( لقد استطاعت (فتح) خلق قيادة فلسطينية أصيلة وقادرة تقود ركب الجهاد بالدماء لا بالأقوال، وأعادت للفلسطينيين إحساسهم بوجودهم وثقتهم بأنفسهم، وهيأت لهم الظروف اللازمة لتنظيم صفوفهم، وحررتهم من التبعية والاتكال والوصاية) ( بعد ان أخرجت القضية من ركودها واعادتها لمكانها الطبيعي).
* لم يكن الشعب الفلسطيني في فلسطين ببعيد عن قيادته بالخارج فخاض عديد المواجهات ضد سلطات الاحتلال فغصت السجون بآلاف المناضلين المعتقلين وحتى الآن، وكان من ابرز المواجهات ما تم في (الانتفاضة ) الشعبية المباركة التي ابتدأت في 9/12/1987 وعمت سائر مدن وقرى الوطن لمدة 7 سنوات في واحدة من أطول انتفاضات التاريخ.
* لقد تخلل الصراع العربي الفلسطيني مع الاحتلال محطات عديدة كان فيها يعلو صوت الكفاح المسلح أحيانا على سائر الوسائل النضالية الأخرى، إلى أن كانت الدورة 12 للمجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1974، والذي اقر فيه لأول مرة إقامة السلطة الوطنية على أي شبر يتم تحريره أو استرداده (المرحلية)، كما كان لاعتراف المجلس الوطني الفلسطيني بالقرار (181) والقرار (242) وإعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر 1988 أن شكل محطة أخرى مهدت السبيل للمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام، ثم الدخول في المفاوضات والتوصل لإعلان المبادىء المعروف (باتفاق أوسلو 1) في 13/9/1993 ثم الاتفاق الذي يليه والمعروف باتفاق (اوسلو 2) في 28/9/1995. ثم الدخول للوطن وبناء السلطة الوطنية الفلسطينية
موضوع: الثورة الفلسطينية المعاصرة 
